فصل: باب ما في الحفر للمرجوم

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: نيل الأوطار شرح منتقى الأخبار **


 باب من أقر أنه زنى بامرأة فجحدت

1 - عن سهل بن سعد‏:‏ ‏(‏أن رجلًا جاء إلى النبي صلى اللّه عليه وآله وسلم فقال أنه قد زنى بامرأة سماها فأرسل النبي صلى اللّه عليه وآله وسلم إلى المرأة فدعاها فسألها عما قال فأنكرت فحد وتركها‏)‏‏.‏

رواه أحمد وأبو داود‏.‏

الحديث في إسناده عبد السلام بن حفص أبو مصعب المدني قال ابن معين‏:‏ ثقة وقال أبو حاتم الرازي‏:‏ ليس بمعروف وفي الباب عن ابن عباس عند أبي داود والنسائي‏:‏ ‏(‏أن رجلًا من بكر بن ليث أتى النبي صلى اللّه عليه وآله وسلم فأقر أنه زنى بامرأة أربع مرات فجلد مائة وكان بكرًا ثم سأله البينة على المرأة فقالت‏:‏ كذب يا رسول اللّه فجلده حد الفرية ثمانين‏)‏ وفي إسناده القاسم بن فياض الصنعاني تكلم فيه غير واحد حتى قال ابن حبان‏:‏ إنه بطل الاحتجاج به وقال النسائي‏:‏ هذا حديث منكر‏.‏ وقد استدل بحديث سهل بن سعد مالك والشافعي فقالا‏:‏ يحد من أقر الزنا بامرأة معينة للزنا لا للقذف وقال الأوزاعي وأبو حنيفة‏:‏ يحد للقذف فقط قالا لأن إنكارها شبهة وأجيب بأنه لا يبطل به إقراره وذهبت الهادوية ومحمد وروي عن الشافعي إلى أنه يحد للزنا والقذف واستدلوا بحديث ابن عباس الذي ذكرناه وهذا هو الظاهر لوجهين الأول أن غاية ما في حديث سهل أن النبي صلى اللّه عليه وآله وسلم لم يحد ذلك الرجل للقذف وذلك لا ينتهض للاستدلال به على السقوط لاحتمال أن يكون ذلك لعدم الطلب من المرأة أو لوجود مسقط بخلاف حديث ابن عباس فإن فيه أنه أقام الحد عليه‏.‏ الوجه الثاني أن ظاهر أدلة القذف العموم فلا يخرج من ذلك إلا ما خرج بدليل وقد صدق على من كان كذلك أنه قاذف وقد تقدم طرف من الكلام في باب من أقر بالزنا بامرأة لا يكون قاذفًا من أبواب اللعان‏.‏

 باب الحث على إقامة الحد إذا ثبت والنهي عن الشفاعة فيه

1 - عن أبي هريرة‏:‏ ‏(‏عن النبي صلى اللّه عليه وآله وسلم قال‏:‏ حد يعمل به في الأرض خير لأهل الأرض من أن يمطروا أربعين صباحًا‏)‏‏.‏

رواه ابن ماجه والنسائي وقال ثلاثين وأحمد بالشك فيهما‏.‏

2 - وعن ابن عمر‏:‏ ‏(‏عن النبي صلى اللّه عليه وآله وسلم قال‏:‏ من حالت شفاعته دون حد من حدود اللّه فهو مضاد اللّه في أمره‏)‏‏.‏

رواه أحمد وأبو داود ‏.‏

حديث أبي هريرة أخرج نحوه الطبراني في الأوسط من حديث ابن عباس مرفوعًا بلفظ‏:‏ ‏(‏وحد يقام في الأرض بحقه أزكى من مطر أربعين صباحًا‏)‏ قال في مجمع الزوائد‏:‏ وفي إسناده زريق بن السحب ولم أعرفه وفي إسناد حديث أبي هريرة المذكور في الباب عند ابن ماجه والنسائي جرير بن يزيد بن جرير بن عبد اللّه البجلي وهو ضعيف منكر الحديث‏.‏ وحديث ابن عمر أخرجه أيضًا الحاكم وصححه وأخرجه بن أبي شيبة عنه من وجه آخر صحيح موقوفًا عليه وأخرج نحوه الطبراني في الأوسط عن أبي هريرة مرفوعًا وقال فيه فقد ضاد اللّه في ملكه‏.‏ وحديث أبي هريرة فيه الترغيب في إقامة الحدود وأن ذلك مما ينتفع به الناس لما فيه من تنفيذ أحكام اللّه تعالى وعدم الرأفة بالعصاة وردعهم عن هتك حرم المسلمين ولهذا ثبت عنه صلى اللّه عليه وآله وسلم من حديث عائشة في الصحيحين أن النبي صلى اللّه عليه وآله وسلم خطب فقال أيها الناس إنما هلك الذين من قبلكم أنه كانوا إذا سرق فيهم الشريف تركوه وإذا سرق فيهم الضعيف أقاموا الحد عليه فإذا كان ترك الحدود والمداهنة فيها وإسقاطها عن الأكابر من أسباب الهلاك كانت إقامتها على كل أحد من غير فرق بين شريف ووضيع من أسباب الحياة وتبين سر قوله صلى اللّه عليه وآله وسلم‏:‏ ‏(‏حد يعمل به في الأرض خير لأهل الأرض من أن يمطروا أربعين صباحًا‏)‏ الحديث‏.‏ وحديث ابن عمر المذكور فيه دليل على تحريم الشفاعة في الحدود والترهيب لفاعلها بما هو غاية في ذلك وهو وصفه بمضادة اللّه تعالى في أمره وقد ثبت النهي عن ذلك في الصحيحين كما في حديث عائشة في قصة المرأة المخزومية لما شفع فيها أسامة بن زيد فقال النبي صلى اللّه عليه وآله وسلم له‏:‏ أتشفع في حد من حدود اللّه وفي لفظ‏:‏ لا أراك تشفع في حد من حدود اللّه وسيأتي في باب ما جاء في المختلس من كتاب القطع ولكنه ينبغي أن يقيد المنع من الشفاعة بما إذا كان بعد الرفع إلى الإمام لا إذا كان قبل ذلك لما في حديث صفوان بن أمية عند أحمد والأربعة وصححه الحاكم وابن الجارود‏:‏ ‏(‏أن النبي صلى اللّه عليه وآله وسلم قال له لما أراد أن يقطع الذي سرق رداءه فشفع فيه‏:‏ هلا كان قبل أن تأتيني به‏)‏ وأخرجه أبو داود والنسائي والحاكم وصححه من حديث عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده رفعه‏:‏ ‏(‏تعافوا الحدود فيما بينكم فما بلغني من حد فقد وجب‏)‏ وأخرج الطبراني عن عروة بن الزبير قال‏:‏ لقي الزبير سارقًا فشفع فيه فقيل له حتى يبلغ الإمام قال إذا بلغ الإمام فلعن اللّه الشافع والمشفع‏.‏

وأخرج ابن أبي شيبة قال الحافظ بسند حسن إن الزبير وعمارًا وابن عباس أخذوا سارقًا فخلوا سبيله فقال عكرمة‏:‏ فقلت بئس ما صنعتم حين خليتم سبيله فقالوا لا أم لك أما لو كنت أنت لسرك أن يخلى سبيلك‏.‏

وأخرج الدارقطني من حديث الزبير مرفوعًا اشفعوا ما لم يصل إلى الوالي فإذا وصل إلى الوالي فعفا فلا عفا اللّه عنه‏.‏ والموقوف أصح وقد ادعى ابن عبد البر الإجماع على أنه يجب على السلطان الإقامة إذا بلغه الحد وهكذا حكى الإجماع في البحر‏.‏ وحكى الخطابي عن مالك أنه فرق بين من عرف بأذية الناس وغيره فقال لا يشفع في الأول مطلقًا وفي الثاني تحسن الشفاعة قبل الرفع لا بعده والراجح عدم الفرق بين المحدودين وعلى التفصيل المذكور بين قبل الرفع وبعده تحمل الأحاديث الواردة في الترغيب في الستر على المسلم فيكون الستر هو الأفضل قبل الرفع إلى الإمام‏.‏

 باب أن السنة بداءة الشاهد بالرجم وبداءة الإمام به إذا ثبت بالإقرار

1 - عن عامر الشعبي قال‏:‏ ‏(‏كان لشراحة زوج غائب بالشام وأنها حملت فجاء بها مولاها إلى أمير المؤمنين علي بن أبي طالب رضي اللّه عنه فقال إن هذه زنت واعترفت فجلدها يوم الخميس مائة ورجمها يوم الجمعة وحفر لها إلى السرة وأنا شاهد ثم قال إن الرجم سنة سنها رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله وسلم ولو كان شهد على هذه أحد لكان أول من يرمي الشاهد يشهد ثم يتبع شهادته حجره ولكنها أقرت فأنا أول من رماها فرماها بحجر ثم رمى الناس وأنا فيهم فكنت واللّه فيمن قتلها‏)‏‏.‏

رواه أحمد‏.‏

الحديث أخرجه النسائي والحاكم وأصله في صحيح البخاري ولكن بدون ذكر الحفر وما بعده كما تقدم في أول كتاب الحدود من حديث الشعبي وسيأتي الكلام على الحفر قريبًا وأما كون الشاهد أول من يرمي الزاني المحصن حيث ثبت ذلك بالشهادة فقد ذهب أبو حنيفة والهادوية إلى أن ذلك واجب عليهم وأن الإمام يجبرهم على ذلك لما فيه من الزجر عن التساهل والترغيب في التثبيت وإذا كان ثبوت الزنا بالإقرار وجب أن يكون الإمام أول من يرجم أو مأموره لما عند أبي داود في رواية من حديث أبي بكرة أن النبي صلى اللّه عليه وآله وسلم رجم امرأة وكان هو أول من رماها بحصاة مثل الحمصة ثم قال‏:‏ ارموها واتقوا الوجه ويجاب بأن مجرد هذا الفعل لا يدل على الوجوب‏.‏

وأما حديث العسيف المتقدم فلا يدل قوله صلى اللّه عليه وآله وسلم فيه واغد يا أنيس على امرأة هذا فإن اعترفت فارجمها على وجوب البداءة بذلك منه بل غايته الأمر بنفس الرجم لا بالرجم الخاص الذي هو محل النزاع وأما ما رواه المصنف في الباب عن أمير المؤمنين علي رضي اللّه عنه فإنما ينتهض للاحتجاج به على قول من يقول بالحجية لا على من يخالف في ذلك والمقام مقام اجتهاد ولهذا حكى صاحب البحر عن العترة والشافعي أنه لا يلزم الإمام حضور الرجم وهو الحق لعدم دليل يدل على الوجوب ولما تقدم في حديث ماعز أنه صلى اللّه عليه وآله وسلم أمر برجم ماعز ولم يخرج معهم والزنا منه ثبت بإقراره كما سلف وكذلك لم يحضر في رجم الغامدية كما زعم البعض قال في التلخيص‏:‏ لم يقع في طرق الحديثين أنه حضر بل في بعض الطرق ما يدل على أنه لم يحضر وقد جزم بذلك الشافعي قال وأما الغامدية ففي سنن أبي داود وغيره ما يدل على ذلك وإذا تقرر هذا تبين عدم الوجوب على الشهود ولا على الإمام وأما الاستحباب فقد حكى ابن دقيق العيد أن الفقهاء استحبوا أن يبدأ الإمام بالرجم إذا ثبت الزنا بالإقرار وتبدأ الشهود به إذا ثبت بالبينة‏.‏

 باب ما في الحفر للمرجوم

1 - عن أبي سعيد قال‏:‏ ‏(‏لما أمرنا رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله وسلم أن نرجم ماعز بن مالك خرجنا به إلى البقيع فواللّه ما حفرنا له ولا أوثقناه ولكن قام لنا فرميناه بالعظام والخزف فاشتكى فخرج يشتد حتى انتصب لنا في عرض الحرة فرميناه بجلاميد الجندل حتى سكت‏)‏‏.‏

2 - وعن عبد اللّه بن بريدة عن أبيه قال‏:‏ ‏(‏جاءت الغامدية فقالت‏:‏ يا رسول اللّه إني قد زنيت فطهرني وأنه ردها فلما كان الغد قالت‏:‏ يا رسول اللّه لم ترددني لعلك ترددني كما رددت ماعزًا فواللّه إني لحبلى قال‏:‏ إما لا فاذهبي حتى تلدي فلما ولدت أتته بالصبي في خرقة قالت‏:‏ هذا قد ولدته قال‏:‏ اذهبي فأرضعيه حتى تفطميه فلما فطمته أتته بالصبي في يده كسرة خبز فقالت‏:‏ هذا يا نبي اللّه قد فطمته وقد أكل الطعام فدفع الصبي إلى رجل من المسلمين ثم أمر بها فحفر لها إلى صدرها وأمر الناس فرجموها فيقبل خالد بن الوليد بحجر فرمى رأسها فنضخ الدم على وجه خالد فسبها فسمع النبي صلى اللّه عليه وآله وسلم سبه إياها فقال‏:‏ مهلًا يا خالد فوالذي نفسي بيده لقد تابت توبة لو تابها صاحب مكس لغفر له ثم أمر بها فصلى عليها ودفنت‏)‏‏.‏

رواه أحمد مسلم وأبو داود‏.‏

3 - وعن عبد اللّه بن بريدة عن أبيه‏:‏ ‏(‏أن ماعز بن مالك الأسلمي أتى رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله وسلم فقال‏:‏ يا رسول اللّه إني زنيت وإني أريد أن تطهرني فرده فلما كان الغد أتاه فقال‏:‏ يا رسول اللّه إني قد زنيت فرده الثانية فأرسل رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله وسلم إلى قومه هل تعلمون بعقله بأسًا تنكرون منه شيئًا قالوا‏:‏ ما نعلمه إلا وفي العقل من صالحينا فيما نرى فأتاه الثالثة فأرسل إليهم أيضًا فسأل عنه فأخبره أنه لا بأس به ولا بعقله فلما كان الرابعة حفر له حفرة ثم أمر به فرجم‏)‏‏.‏

رواه مسلم وأحمد وقال في آخره‏:‏ ‏(‏فأمر النبي صلى اللّه عليه وآله وسلم فحفر له حفرة فجعل فيها إلى صدره ثم أمر الناس برجمه‏)‏‏.‏

4 - وعن خالد بن اللجلاج أن أباه أخبره فذكر قصة رجل اعترف بالزنا فقال له رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله وسلم‏:‏ أحصنت قال‏:‏ نعم‏.‏ فأمر برجمه فذهبنا فحفرنا له حتى أمكننا ورميناه بالحجارة حتى هدأ‏)‏‏.‏

رواه أحمد وأبو داود‏.‏

حديث خالد بن اللجلاج في إسناده محمد بن عبد اللّه بن علاثة وهو مختلف فيه وقد أخرجه أيضًا النسائي ولأبيه صحبة وهو بفتح اللام وسكون الجيم وآخره جيم أيضًا وهو عامري كنيته أبو العلاء عاش مائة وعشرين سنة‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏والخزف‏)‏ بفتح الخاء المعجمة والزاي آخره فاء وهي أكسار الأواني المصنوعة من المدر‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏في عرض الحرة‏)‏ بضم العين المهملة وسكون الراء والحرة بفتح الحاء المهملة وتشديد الراء وهو أرض ذات أحجار سود وقد سمي بذلك مواضع منها موضع وقعة حنين وموضع بتبوك وبنقدة وبين المدينة والعقيق وقبلى المدينة وببلاد عبس وببلاد فزارة وببلاد بني القين وبالدهناء وبعالية الحجاز وقرب فيد وبجبال طيء وبأرض بارق وبنجد وببني مرة وقرب خيبر وهي حرة النار وبظاهر المدينة تحت واقم وبها كانت وقعة الحرة أيام يزيد وبالبريك في طريق اليمن وحرة غلاس ولبن ولفلف وشوران والحمارة وجفل وميطان ومعشر وليلى وعباد والرجلاء وقمأة مواضع بالمدينة كذا في القاموس‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏بجلاميد‏)‏ الجلاميد جمع جلمد وهو الصخر كالجلمود والجندل كجعفر ما يقله الرجل من الحجارة وبكسر الدال وكعلبط الموضع يجتمع فيه الحجارة وأرض جندلة كعلبطة وقد تفتح كسرتها كذا في القاموس‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏إما لا فاذهبي‏)‏ قال النووي في شرح مسلم‏:‏ هو بكسر الهمزة من إما وتشديد الميم وبالإمالة ومعناه إذا أبيت أن تستري نفسك وتتوبي عن قولك فاذهبي حتى تلدي فترجمين بعد ذلك انتهى‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏فنضخ‏)‏ بالخاء المعجمة وبالمهملة‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏صاحب مكس‏)‏ بفتح الميم وسكون الكاف بعدها مهملة هو من يتولى الضرائب التي تؤخذ من الناس بغير حق‏.‏ قال في القاموس‏:‏ مكس في البيع بمكس إذا جبى مالًا والمكس النقص والظلم ودراهم كانت تؤخذ من بائعي السلع في الأسواق في الجاهلية أو درهم كان يأخذه المصدق بعد فراغه من الصدقة انتهى‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏فصلى عليها‏)‏ قال القاضي عياض‏:‏ هو بفتح الصاد واللام عند جمهور رواة مسلم ولكن في رواية ابن أبي شيبة وأبي داود والطبراني فصلي بضم الصاد على البناء للمجهول ويؤيده ما وقع في رواية لأبي داود بلفظ‏:‏ ‏(‏ثم أمرهم فصلوا عليها‏)‏ ووقع في حديث عمران بن حصين عند مسلم أنه قال عمر للنبي صلى اللّه عليه وآله وسلم‏:‏ أيصلى عليها فقال‏:‏ لقد تابت توبة لو قسمت بين أهل المدينة لوسعتهم‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏إلا وفي العقل‏)‏ بفتح الواو وكسر الفاء وتشديد الياء صفة مشبهة وهذه الأحاديث المذكورة في الباب قد قدمنا الكلام على فقهها وإنما ساقها المصنف ههنا للاستدلال بها على ما ترجم الباب به وهو الحفر للمرجوم وقد اختلفت الروايات في ذلك فحديث أبي سعيد المذكور فيه أنهم لم يحفروا لماعز وحديث عبد اللّه بن بريدة فيه أنهم حفروا له إلى صدره وقد جمع بين الروايتين بأن المنفي حفيرة لا يمكنه الوثوب منها والمثبت عكسه أو أنهم لم يحفروا له أول الأمر ثم لما فر فأدركوه حفروا له حفيرة فانتصب لهم فيها حتى فرغوا منه أو أنهم حفروا له في أول الأمر ثم لما وجد مس الحجارة خرج من الحفرة فتبعوه وعلى فرض عدم إمكان الجمع فالواجب تقديم رواية الإثبات على النفي ولو فرضنا أن ذلك غير مرجح توجه إسقاط الروايتين والرجوع إلى غيرهما كحديث خالد بن اللجلاج فإن فيه التصريح بالحفر بدون تسمية المرجوم وكذلك حديثه أيضًا في الحفر للغامدية وقد ذهبت العترة إلى أنه يستحب الحفر إلى سرة الرجل وثدي المرأة وذهب أبو حنيفة والشافعي إلى أنه لا يحفر للرجل وفي قول للشافعي أنه إذا حفر له فلا بأس وبه قال الإمام يحيى وفي وجه للشافعية أنه يخير الإمام وفي المرأة عندهم ثلاثة أوجه ثالثها يحفر إن ثبت زناها بالبينة لا بالإقرار والمروي عن أبي يوسف وأبي ثور أنه يحفر للرجل والمرأة والمشهور عن الأئمة الثلاثة أنه لا يحفر مطلقًا والظاهر مشروعية الحفر لما قدمنا‏.‏

 باب تأخير الرجم عن الحبلى حتى تضع وتأخير الجلد عن ذي المرض المرجو زواله

1 - عن سليمان بن بريدة عن أبيه‏:‏ ‏(‏أن النبي صلى اللّه عليه وآله وسلم جاءته امرأة من غامد من الأزد فقالت‏:‏ يا رسول اللّه طهرني فقال‏:‏ ويحك ارجعي فاستغفري اللّه وتوبي إليه فقالت‏:‏ أراك تريد أن ترددني كما رددت ماعز بن مالك قال‏:‏ وما ذاك قالت أنها حبلى من الزنا قال‏:‏ أنت قالت‏:‏ نعم فقال لها‏:‏ حتى تضعي ما في بطنك قال‏:‏ فكفلها رجل من الأنصار حتى وضعت قال‏:‏ فأتى النبي صلى اللّه عليه وآله وسلم فقال قد وضعت الغامدية فقال‏:‏ إذن لا نرجمها وندع ولدها صغيرًا ليس له من يرضعه فقام رجل من الأنصار فقال إليَّ رضاعه يا نبي اللّه قال فرجمها‏)‏‏.‏

رواه مسلم والدارقطني وقال هذا حديث صحيح‏.‏

2 - وعن عمران بن حصين‏:‏ ‏(‏أن امرأة من جهينة أتت رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله وسلم وهي حبلى من الزنا فقالت‏:‏ يا رسول اللّه أصبت حدًا فأقمه عليّ فدعا نبي اللّه صلى اللّه عليه وآله وسلم وليها فقال أحسن إليها فإذا وضعت فأتني ففعل فأمر بها رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله وسلم فشدت عليها ثيابها ثم مر بها فرجمت ثم صلى عليها فقال له عمر‏:‏ نصلي عليها يا رسول اللّه وقد زنت قال‏:‏ لقد تابت توبة لو قسمت بين سبعين من أهل المدينة لوسعتهم وهل وجدت أفضل من أن جادت بنفسها للّه‏)‏‏.‏

رواه الجماعة إلا البخاري وابن ماجه وهو دليل على أن المحدود محترز تحفظ عورته من الكشف‏.‏

3 - وعن علي قال‏:‏ ‏(‏أن أمة لرسول اللّه صلى اللّه عليه وآله وسلم زنت فأمرني أن أجلدها فأتيتها فإذا هي حديثة عهد بنفاس فخشيت أن أجلدها أن أقتلها فذكرت ذلك للنبي صلى اللّه عليه وآله وسلم فقال‏:‏ أحسنت اتركها حتى تماثل‏)‏‏.‏

رواه أحمد ومسلم وأبو داود والترمذي وصححه‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏من غامد‏)‏ بغين معجمة ودال مهملة لقب رجل هو أبو قبيلة وهم بطن من جهينة ولهذا وقع في حديث عمران بن حصين المذكور امرأة من جهينة وهي هذه واسم غامد المذكور عمرو بن عبد اللّه ولقب غامدًا لإصلاحه أمرًا كان في قومه وهذه القصة قد رواها جماعة من الصحابة منهم بريدة وعمران بن حصين كما ذكره المصنف في هذا الباب وفي الباب الأول‏.‏ ومنهم أبو هريرة وأبو سعيد وجابر بن عبد اللّه وجابر بن سمرة وابن عباس وأحاديثهم عند مسلم وفي سياق الأحاديث بعض اختلاف ففي حديث بريدة المتقدم في الباب الأول أنها جاءت بنفسها إلى النبي صلى اللّه عليه وآله وسلم حال الحمل وعند الوضع وأخر رجمها إلى الفطام فجاءت بعد ذلك ورجمت‏.‏

وفي حديثه المذكور في هذا الباب أنه كفلها رجل من الأنصار حتى وضعت ثم أتى فأخبر النبي صلى اللّه عليه وآله وسلم فقال لا نرجمها وندع ولدها صغيرًا فقام رجل من الأنصار فقال إليّ رضاعه فرجمت‏.‏

وفي حديث عمران بن حصين المذكور أنها لما أقرت دعا النبي صلى اللّه عليه وآله وسلم وليها وأمره بالإحسان إليها حتى تضع ثم جاء بها عند الوضع فرجمت ولم يمهلها إلى الفطام ويمكن الجمع بأنها جاءت عند الولادة وجاء معها وليها وتكلمت وتكلم ولكن يبقى الإشكال في رواية أنه رجمها عند الولادة ولم يؤخرها ورواية أنه أخرها إلى الفطام وقد قيل إنهما روايتان صحيحتان والقصة واحدة ورواية التأخير رواية صحيحة صريحة لا يمكن تأويلها فيتعين تأويل الرواية القاضية بأنها رجمت عند الولادة بأن يقال فيها طي وحذف التقدير أن وليها جاء بها إلى النبي صلى اللّه عليه وآله وسلم عند الولادة فأمر بتأخيرها إلى الفطام ثم أمر بها فرجمت ولا يخفى أن هذا وإن تم باعتبار حديث عمران المذكور في الباب فلا يتم باعتبار حديث بريدة المذكور فإن فيه أنه قام رجل من الأنصار فقال إليَّ رضاعه يا نبي اللّه فرجمها ويبعد أن يقال أن هذا لا يدل على أنه قبل قوله وكفالته بل أخرها إلى الفطام ثم أمر برجمها بعد ذلك لأن السياق يأبى ذلك كل الإباء وما أكثر ما يقع مثل هذا الاختلاف بين الصحابة في القصة الواحدة التي مخرجها متحد بالاتفاق ثم ترتكب لأجل الجمع بين رواياتهم العظائم التي لا تخلو في الغالب من تعسفات وتكلفات كأن السهو والغلط والنسيان لا يجري عليهم وما هم إلا كسائر الناس في العوارض البشرية فإن أمكننا الجمع بوجه سليم عن التعسفات فذاك وإلا توجه علينا المصير إلى الترجيح وحمل الغلط أو النسيان على الرواية المرجوحة إما من الصحابي أو ممن هو دونه من الرواة وقد مر لنا في هذا الشرح عدة مواطن من هذا القبيل مشينا فيها على ما مشى عليه الناس من الجمع بوجوه ينفر عن قبولها كل طبع سليم ويأبى الرضا بها كل عقل مستقيم‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏أصبت حدًا فأقمه عليَّ‏)‏ هذا الإجمال قد وقع من المرأة تبيينه كما في سائر الروايات ولكنه وقع الاختصار في هذه الرواية كما يشعر بذلك قوله صلى اللّه عليه وآله وسلم عقب ذلك ‏(‏أحسن إليها فإذا وضعت فأتني‏)‏ وقد قدمنا أن مجرد الإقرار بالحد من دون تعيين لا يجوز للإمام أن يحد به‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏أحسن إليها‏)‏ إنما أمره بذلك لأن سائر قرابتها ربما حملتهم الغيرة وحمية الجاهلية على أن يفعلوا بها ما يؤذيها فأمره بالإحسان تحذيرًا من ذلك‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏فشدت‏)‏ في رواية ‏(‏فشكت‏)‏ ومعناهما واحد والغرض من ذلك أن لا تنكشف عند وقوع الرجم عليها لما جرت به العادة من الاضطراب عند نزول الموت وعدم المبالاة بما يبدو من الإنسان ولهذا ذهب الجمهور إلى أن المرأة ترجم قاعدة والرجل قائمًا لما في ظهور عورة المرأة من الشناعة وقد زعم النووي أنه اتفق العلماء على أن المرأة ترجم قاعدة وليس في الأحاديث ما يدل على ذلك ولا شك أنه أقرب إلى الستر ولم يحك ذلك في البحر إلا عن أبي حنيفة والهادوية وحكى عن ابن أبي ليلى وأبي يوسف أنها تحد قائمة وذهب مالك إلى أن الرجل يحد قاعدًا‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏ثم صلى عليها‏)‏ قد تقدم الخلاف في ذلك في كتاب الجنائز‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏لو قسمت بين سبعين‏)‏ الخ في رواية بريدة المتقدمة في الباب الأول لو تابها صاحب مكس ولا مانع من أن يكون ذلك قد وقع جميعه منه صلى اللّه عليه وآله وسلم وفيه دليل على أن الحدود لا تسقط بالتوبة وإليه ذهب جماعة من العلماء منهم الحنفية والهادي وذهب جماعة منهم إلى سقوطها بها ومنهم الشافعي وقد استدل بقصة الغامدية على أنه يجب تأخير الحد على الحامل حتى تضع ثم حتى ترضع وتفطم وعند الهادوية أنها لا تؤخر إلى الفطام إلا إذا عدم مثلها للرضاع والحضانة فإن وجد من يقوم بذلك لم تؤخر وتمسكوا بحديث بريدة المذكور‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏اتركها حتى تماثل‏)‏ بالمثلثة قال في القاموس‏:‏ تماثل العليل قارب البرء وفي رواية لأبي داود‏:‏ ‏(‏حتى ينقطع عنها الدم‏)‏ وسيأتي في باب حد الرقيق بلفظ‏:‏ ‏(‏إذا تعالت من نفاسها فاجلدها‏)‏ وفيه دليل على أن المريض يمهل حتى يبرأ أو يقارب البرء‏.‏ وقد حكى في البحر الإجماع على أنه يمهل البكر حتى تزول شدة الحر والبرد والمرض المرجو فإن كان مأيوسًا فقال الهادي وأصحاب الشافعي أنه يضرب بعثكول إن احتمله‏.‏ وقال الناصر والمؤيد باللّه لا يحد في مرضه وإن كان مأيوسًا والظاهر الأول لحديث أبي أمامة بن سهل بن حنيف الآتي قريبًا وأما المرجوم إذا كان مريضًا أو نحوه فذهبت العترة والشافعية والحنفية ومالك إلى أنه لا يمهل لمرض ولا لغيره إذ القصد إتلافه‏.‏

وقال المروزي‏:‏ يؤخر لشدة الحر أو البرد أو المرض سواء ثبت بإقراره أو بالبينة وقال الإسفرايني‏:‏ يؤخر للمرض فقط وفي الحر والبرد أوجه يرجم في الحال أو حيث يثبت بالبينة لا الإقرار أو العكس‏.‏

 باب صفة صوت الجلد وكيف يجلد من به مرض لا يرجى برؤه

1 - عن زيد بن أسلم‏:‏ ‏(‏أن رجلًا اعترف على نفسه بالزنا على عهد رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله وسلم فدعا رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله وسلم بسوط فأتي بسوط مكسور فقال‏:‏ فوق هذا فأتي بسوط جديد لم تقطع ثمرته فقال‏:‏ بين هذين فأتي بسوط قد لان وركب به فأمر به فجلد‏)‏‏.‏

رواه مالك في الموطأ عنه‏.‏

2 - وعن أبي أمامة بن سهل عن سعيد بن سعد بن عبادة قال‏:‏ ‏(‏كان بين أبياتنا رويجل ضعيف مخدج فلم يرع الحي إلا وهو على أمة من إمائهم يخبث بها فذكر ذلك سعد بن عبادة لرسول اللّه صلى اللّه عليه وآله وسلم وكان ذلك الرجل مسلمًا فقال‏:‏ اضربوه حده قالوا‏:‏ يا رسول اللّه إنه أضعف مما تحسب لو ضربناه مائة قتلناه فقال‏:‏ خذوا له عثكالًا فيه مائة شمراخ ثم اضربوه به ضربة واحدة قال ففعلوا‏)‏‏.‏

رواه أحمد وابن ماجه ولأبي داود معناه من رواية أبي أمامة بن سهل عن بعض الصحابة من الأنصار وفيه ولو حملناه إليك لتفسخت عظامه ما هو إلا جلد على عظم‏.‏

حديث زيد بن أسلم هو مرسل وله شاهد عند عبد الرزاق عن معمر بن يحيى ابن أبي كثير نحوه وآخر عند ابن وهب عن طريق كريب مولى ابن عباس فهذه المراسيل الثلاثة يشد بعضها بعضًا‏.‏

وحديث أبي أمامة أخرجه أيضًا الشافعي والبيهقي وقال هذا هو المحفوظ عن أبي أمامة مرسلًا‏.‏ ورواه الدارقطني عن فليح عن أبي سالم عن سهل بن سعد وقال‏:‏ وهم فليح والصواب عن أبي حازم عن أبي أمامة بن سهل بن حنيف عن أبيه ورواه الطبراني من حديث أبي أمامة بن سهل عن أبي سعيد الخدري وقال إن كانت الطرق كلها محفوظة فيكون أبو أمامة قد حمله عن جماعة من الصحابة وأرسله أخرى‏.‏ ورواه أبو داود من حديث الزهري عن أبي أمامة عن رجل من الأنصار ولفظه‏:‏ ‏(‏أنه اشتكى رجل منهم حتى أضني فعاد جلدة على عظم فدخلت عليه جارية لبعضهم فهش لها فوقع عليها فلما دخل عليه رجال قومه يعودونه أخبرهم بذلك وقال استفتوا لي رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله وسلم فإني وقعت على جارية دخلت علي فذكروا ذلك لرسول اللّه صلى اللّه عليه وآله وسلم وقالوا ما رأينا بالحد من الناس من الضر مثل الذي هو به لو حملناه إليك لتفسخت عظامه ما هو إلا جلد على عظم فأمر رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله وسلم أن يأخذوا له مائة شمراخ فيضربوه به ضربة واحدة‏)‏ وأخرجه النسائي من حديث أبي أمامة بن سهل بن حنيف عن أبيه باللفظ الذي ذكره أبو داود وفي إسناده عبد الأعلى بن عامر الثعلبي قال المنذري‏:‏ لا يحتج به وهو كوفي وقال في التقريب‏:‏ صدوق يهم من السادسة‏.‏

وقال الحافظ في بلوغ المرام‏:‏ إن إسناد هذا الحديث حسن ولكنه اختلف في وصله وإرساله‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏لم تقطع ثمرته‏)‏ أي عذبته وهي طرفه‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏وركب به‏)‏ بضم الراء وكسر الكاف على صيغة المجهول أي ركب به الراكب على الدابة وضربها به حتى لان‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏رويجل‏)‏ تصغير رجل للتحقير‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏مخدج‏)‏ بضم الميم وسكون الخاء المعجمة وفتح الدال المهملة بعدها جيم وهو السقيم الناقص الخلق‏.‏ وفي رواية مقعد‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏يخبث بها‏)‏ بفتح أوله وسكون الخاء المعجمة وضم الموحدة وآخره مثلثة أي يزني بها‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏عثكالًا‏)‏ بكسر المهملة وسكون المثلثة قال في القاموس‏:‏ كقرطاس العذق والشمراخ ويقال عثكول وعثكولة بضم العين انتهى‏.‏ وجاء في رواية أثكال وفي أخرى أثكول وهما لغتان في العثكال وهو الذي يكون فيه البسر‏.‏ والشمراخ بكسر الشين المعجمة وسكون الميم وآخره خاء معجمة وهو غصن دقيق‏.‏ وقال في القاموس‏:‏ الشمراخ بالكسر العثكال عليه بسر أو عنب كالشمروخ انتهى‏.‏ والمراد ههنا بالعثكال العنقود من النخل الذي يكون فيه أغصان كثيرة وكل واحد من هذه الأغصان يسمى شمراخًا‏.‏ وحديث زيد بن أسلم فيه دليل على أنه ينبغي أن يكون السوط الذي يجلد به الزاني متوسطًا بين الجديد والعتيق وهكذا إذا كان الجلد بعود ينبغي أن يكون متوسطًا بين الكبير والصغير فلا يكون من الخشب التي تكسر العظم وتجرح اللحم ولا من الأعواد الرقيقة التي لا تؤثر في الألم وينبغي أن يكون متوسطًا بين الجديد والعتيق‏.‏ وقال في البحر‏:‏ وقدر عرضه بإصبع وطوله بذراع‏.‏ وحديث أبي أمامة فيه دليل على أن المريض إذا لم يحتمل الجلد ضرب بعثكول أو ما يشابهه مما يحتمله ويشترط أن تباشره جميع الشماريخ‏.‏ وقيل يكفي الاعتماد وهذا العمل من الحيل الجائزة شرعًا وقد جوز اللّه مثله في قوله ‏{‏وخذ بيدك ضغثًا‏}‏ الآية‏.‏

 باب من وقع على ذات محرم أو عمل عمل قوم لوط أو أتى بهيمة‏.‏

1 - عن البراء بن عازب قال‏:‏ ‏(‏لقيت خالي ومعه الراية فقلت‏:‏ أين تريد قال‏:‏ بعثني رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله وسلم إلى رجل تزوج امرأة أبيه من بعده أن أضرب عنقه وآخذ ماله‏)‏‏.‏

رواه الخمسة ولم يذكر ابن ماجه والترمذي أخذ المال‏.‏

الحديث حسنه الترمذي وأخرجه أبو داود عن البراء أيضًا بلفظ‏:‏ ‏(‏بينما أطوف على إبل لي ضلت إذ أقبل ركب أو فوارس معهم لواء فجعل الأعراب يطيفون بي لمنزلتي من النبي صلى اللّه عليه وآله وسلم إذ أتوا قبة فاستخرجوا منها رجلًا فضربوا عنقه فسألت عنه فذكروا أنه أعرس بامرأة أبيه‏)‏ قال المنذري‏:‏ وقد اختلف في هذا اختلافًا كثيرًا فروي عن البراء وروي عنه عن عمه وروي عنه قال مر بي خالي أبو بردة بن نيار ومعه لواء وهذا لفظ الترمذي‏.‏ وروي عنه عن خاله وسماه هشيم في حديثه الحارث بن عمرو وهذا لفظ ابن ماجه‏.‏ وروي عنه قال مر بنا أناس ينطلقون‏.‏

وروي عنه إني لأطوف على إبل ضلت في تلك الأحياء في عهد النبي صلى اللّه عليه وآله وسلم إذ جاءهم رهط معه لواء وهذا لفظ النسائي‏.‏ وللحديث أسانيد كثيرة منها ما رجاله رجال الصحيح – والحديث - فيه دليل على أنه يجوز للإمام أن يأمر بقتل من خالف قطعيًا من قطعيات الشريعة كهذه المسألة فإن اللّه تعالى يقول ‏{‏ولا تنكحوا ما نكح آباؤكم من النساء‏}‏ ولكنه لا بد من حمل الحديث على أن ذلك الرجل الذي أمر صلى اللّه عليه وآله وسلم بقتله عالم بالتحريم وفعله مستحلًا وذلك من موجبات الكفر والمرتد يقتل للأدلة الآتية‏.‏ وفيه أيضًا متمسك لقول مالك أنه يجوز التعزير بالقتل‏.‏ وفيه دليل على أنه يجوز أخذ مال من ارتكب معصية مستحلًا لها بعد إراقة دمه وقد قدمنا في كتاب الزكاة الكلام على التأديب بالمال‏.‏

2 - وعن عكرمة عن ابن عباس قال‏:‏ ‏(‏قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله وسلم‏:‏ من وجدتموه يعمل عمل قوم لوط فاقتلوا الفاعل والمفعول به‏)‏‏.‏

رواه الخمسة إلا النسائي‏.‏

3 - وعن سعيد بن جبير ومجاهد عن ابن عباس‏:‏ ‏(‏في البكر يوجد على اللوطية يرجم‏)‏‏.‏

رواه أبو داود‏.‏

الحديث الذي من طريق عكرمة أخرجه أيضًا الحاكم والبيهقي وقال الحافظ‏:‏ رجاله موثقون إلا أن فيه اختلافًا‏.‏ وقال الترمذي‏:‏ وإنما يعرف هذا الحديث عن ابن عباس عن النبي صلى اللّه عليه وآله وسلم من هذا الوجه وروى محمد بن إسحاق هذا الحديث عن عمرو بن أبي عمرو فقال‏:‏ ‏(‏ملعون من عمل عمل قوم لوط‏)‏ ولم يذكر القتل انتهى‏.‏

وقال يحيى بن معين‏:‏ عمرو بن أبي عمرو مولى المطلب ثقة ينكر عليه حديث عكرمة عن ابن عباس‏:‏ ‏(‏أن النبي صلى اللّه عليه وآله وسلم قال‏:‏ اقتلوا الفاعل والمفعول به‏)‏ ويجاب عن ذلك بأنه قد احتج الشيخان به وروى عنه مالك في الموطأ وقد استنكر النسائي هذا الحديث‏.‏ والأثر المروي عن ابن عباس من طريق سعيد بن جبير ومجاهد أخرجه أيضًا النسائي والبيهقي‏.‏

- وفي الباب - عن أبي هريرة عند ابن ماجه والحاكم‏:‏ ‏(‏أن النبي صلى اللّه عليه وآله وسلم قال‏:‏ اقتلوا الفاعل والمفعول به أحصنا أو لم يحصنا‏)‏ وإسناده ضعيف قال ابن الطلاع في أحكامه‏:‏ لم يثبت عن رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله وسلم أنه رجم في اللواط ولا أنه حكم فيه‏.‏ وثبت عنه أنه قال‏:‏ ‏(‏اقتلوا الفاعل والمفعول به‏)‏ رواه عنه ابن عباس وأبو هريرة انتهى‏.‏

قال الحافظ‏:‏ وحديث أبي هريرة لا يصح وقد أخرجه البزار من طريق عاصم بن عمر العمري عن سهيل عن أبيه عنه وعاصم متروك وقد رواه ابن ماجه من طريقه بلفظ‏:‏ ‏(‏فارجموا الأعلى والأسفل‏)‏ وأخرج البيهقي من حديث أبي موسى أنه صلى اللّه عليه وآله وسلم قال‏:‏ ‏(‏إذا أتى الرجل الرجل فهما زانيان وإذا أتت المرأة المرأة فهما زانيتان‏)‏ وفي إسناده محمد بن عبد الرحمن كذبه أبو حاتم وقال البيهقي‏:‏ لا أعرفه والحديث منكر بهذا الإسناد انتهى‏.‏ ورواه أبو الفتح الأزدي في الضعفاء والطبراني في الكبير من وجه آخر عن أبي موسى وفيه بشر بن المفضل البجلي وهو مجهول‏.‏

وقد أخرجه أبو داود الطيالسي في مسنده عنه وأخرج البيهقي عن علي عليه السلام أنه رجم لوطيًا قال الشافعي‏:‏ وبهذا نأخذ يرجم اللوطي محصنًا كان أو غير محصن وأخرج البيهقي أيضًا عن أبي بكر أنه جمع الناس في حق رجل ينكح كما ينكح النساء فسأل أصحاب رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله وسلم عن ذلك فكان أشدهم يومئذ قولًا علي بن أبي طالب عليه السلام قال‏:‏ هذا ذنب لم تعص به أمة من الأمم إلا أمة واحدة صنع اللّه بها ما قد علمتم نرى أن نحرقه بالنار فاجتمع أصحاب رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله وسلم على أن يحرقه بالنار فكتب أبو بكر إلى خالد بن الوليد يأمره أن يحرقه بالنار‏.‏

وفي إسناده إرسال وروي من وجه آخر عن جعفر بن محمد عن أبيه عن علي في هذه القصة قال يرجم ويحرق بالنار وأخرج البيهقي أيضًا عن ابن عباس أنه سئل عن حد اللوطي فقال ينظر أعلى بناء في القرية فيرمى به منكسًا ثم يتبع الحجارة وقد اختلف أهل العلم في عقوبة الفاعل للواط والمفعول به بعد اتفاقهم على تحريمه وأنه من الكبائر للأحاديث المتواترة في تحريمه ولعن فاعله فذهب من تقدم ذكره من الصحابة إلى أن حده القتل ولو كان بكرًا سواء كان فاعلًا أو مفعولًا وإليه ذهب الشافعي والناصر والقاسم بن إبراهيم واستدلوا بما ذكره المصنف وذكرناه في الباب وهو بمجموعه ينتهض للاحتجاج به وقد اختلفوا في كيفية قتل اللوطي فروي عن علي أنه يقتل بالسيف ثم يحرق لعظم المعصية وإلى ذلك ذهب أبو بكر كما تقدم عنه وذهب عمر وعثمان إلى أنه يلقى عليه حائط وذهب ابن عباس إلى أنه يلقى من أعلى بناء في البلد‏.‏

وقد حكى صاحب الشفاء إجماع الصحابة على القتل وقد حكى البغوي عن الشعبي والزهري ومالك وأحمد وإسحاق أنه يرجم وحكى ذلك الترمذي عن مالك والشافعي وأحمد وإسحاق وروي عن النخعي أنه قال لو كان يستقيم أن يرجم الزاني مرتين لرجم اللوطي‏.‏

وقال المنذري‏:‏ حرق اللوطية بالنار أبو بكر وعلي وعبد اللّه بن الزبير وهشام بن عبد الملك وذهب سعيد بن المسيب وعطاء بن أبي رباح والحسن وقتادة والنخعي والثوري والأوزاعي وأبو طالب والإمام يحيى والشافعي في قول له إلى أن حد اللوطي حد الزاني فيجلد البكر ويغرب ويرجم المحصن وحكاه في البحر عن القاسم بن إبراهيم وروي عنه المؤيد باللّه القتل مطلقًا كما سلف واحتجوا بأن التلوط نوع من أنواع الزنا لأنه إيلاج فرج في فرج فيكون اللائط والملوط به داخلين تحت عموم الأدلة الواردة في الزاني المحصن والبكر وقد تقدمت ويؤيد ذلك حديث‏:‏ ‏(‏إذا أتى الرجل الرجل فهما زانيان‏)‏ وقد تقدم وعلى فرض عدم الشمول الأدلة المذكورة لهما فهما لاحقان بالزاني بالقياس ويجاب عن ذلك بأن الأدلة الواردة بقتل الفاعل والمفعول به مطلقًا مخصصة لعموم أدلة الزنا الفارقة بين البكر والثيب على فرض شمولها اللوطي ومبطلة للقياس المذكور على فرض عدم الشمول لأنه يصير فاسد الاعتبار كما تقرر في الأصول وما أحق مرتكب هذه الجريمة ومقارف هذه الرذيلة الذميمة بأن يعاقب عقوبة يصير بها عبرة للمعتبرين ويعذب تعذيبًا بكسر شهرة الفسقة المتمردين فحقيق بمن أتى بفاحشة قوم ما سبقهم بها من أحد من العالمين أن يصلى من العقوبة بما يكون في الشدة والشناعة مشابهًا لعقوبتهم وقد خسف اللّه تعالى بهم واستأصل بذلك العذاب بكرهم وثيبهم وذهب أبو حنيفة والشافعي في قول له والمرتضى والمؤيد بالله إلى أنه يعزر اللوطي فقط ولا يخفى ما في هذا المذهب من المخالفة للأدلة المذكورة في خصوص اللوطي والأدلة الواردة في الزاني على العموم‏.‏

وأما الاستدلال لهذا بحديث لأن أخطئ في العفو خير من أن أخطئ في رد العقوبة فمردود بأن ذلك إنما هو مع الالتباس والنزاع ليس هو في ذلك‏.‏

4 - وعن عمرو بن أبي عمرو عن عكرمة عن ابن عباس‏:‏ ‏(‏أن النبي صلى اللّه عليه وآله وسلم قال‏:‏ من وقع على بهيمة فاقتلوه واقتلوا البهيمة‏)‏‏.‏

رواه أحمد وأبو داود والترمذي وقال لا نعرفه إلا من حديث عمرو بن أبي عمرو وروى الترمذي وأبو داود من حديث عاصم عن أبي رزين عن ابن عباس أنه قال‏:‏ ‏(‏من أتى بهيمة فلا حد عليه‏)‏ وذكر أنه أصح‏.‏

الحديث الذي رواه عكرمة أخرجه أيضًا النسائي وابن ماجه قال الترمذي‏:‏ هذا حديث لا نعرفه إلا من حديث عمرو بن أبي عمرو عن عكرمة عن ابن عباس عن النبي صلى اللّه عليه وآله وسلم‏.‏

وقد رواه سفيان الثوري عن عاصم عن أبي رزين عن ابن عباس أنه قال‏:‏ ‏(‏من أتى بهيمة فلا حد عليه‏)‏ حدثنا بذلك محمد بن بشار حدثنا عبد الرحمن بن مهدي حدثنا سفيان وهذا أصح من الحديث الأول والعمل على هذا عند أهل العلم وهو قول أحمد وإسحاق انتهى‏.‏

وقد روى هذا الحديث ابن ماجه في سننه من حديث إبراهيم بن إسماعيل عن داود بن الحصين عن ابن عباس قال‏:‏ ‏(‏قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله وسلم‏:‏ من وقع على ذات محرم فاقتلوه ومن وقع على بهيمة فاقتلوه واقتلوا البهيمة‏)‏ وإبراهيم المذكور قد وثقه أحمد وقال البخاري منكر الحديث وضعفه غير واحد من الحفاظ وأخرجه أبو يعلى الموصلي من حديث عبد الغفار بن عبد اللّه بن الزبير عن علي بن مسهر عن محمد بن عمرو عن أبي سلمة بن عبد الرحمن عن أبي هريرة مرفوعًا وذكر ابن عدي عن أبي يعلى أنه قال بلغنا أن عبد الغفار رجع عنه وذكر ابن عدي أنهم كانوا لقنوه‏.‏

وأخرج هذا الحديث البيهقي بلفظ‏:‏ ‏(‏ملعون من وقع على بهيمة وقال اقتلوه واقتلوها لا يقال هذه التي فعل بها كذا وكذا‏)‏ ومال البيهقي إلى تصحيحه ورواه أيضًا من طريق عباد بن منصور عن عكرمة‏.‏ ورواه عبد الرزاق عن إبراهيم بن محمد عن داود بن الحصين عن عكرمة وإبراهيم ضعيف وإن كان الشافعي يقوي أمره إذا عرفت هذا تبين لك أنه لم يتفرد برواية الحديث عمرو بن أبي عمرو عن عكرمة كما قال الترمذي بل رواه عن عكرمة جماعة كما بينا وقد قال البيهقي رويناه عن عكرمة من أوجه مع أن تفرد عمرو بن أبي عمرو لا يقدح في الحديث فقد قدمنا أنه احتج به الشيخان ووثقه يحيى بن معين وقال البخاري عمرو صدوق ولكنه روى عن عكرمة مناكير‏.‏ والأثر الذي رواه أبو رزين عن ابن عباس أخرجه أيضًا النسائي ولا حكم لرأي ابن عباس إذا انفرد فكيف إذا عارض المروي عن رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله وسلم من طريقه وقد اختلف أهل العلم فيمن وقع على بهيمة فأخرج البيهقي عن جابر بن زيد أنه قال‏:‏ من أتى البهيمة أقيم عليه الحد‏.‏

وأخرج أيضًا عن الحسن بن علي رضي اللّه عنهما أنه قال‏:‏ إن كان محصنًا رجم‏.‏ وروي أيضًا عن الحسن البصري أنه قال‏:‏ هو بمنزلة الزاني قال الحاكم‏:‏ أرى أن يجلد ولا يبلغ به الحد وهو مجمع على تحريم إتيان البهيمة كما حكى ذلك صاحب البحر وقد ذهب إلى أنه يوجب الحد كالزنا الشافعي في قول له والهادوية وأبو يوسف وذهب أبو حنيفة ومالك والشافعي في قول له والمرتضى والمؤيد بالله والناصر والإمام يحيى إلى أنه يوجب التعزير فقط إذ ليس بزنا ورد بأنه فرج محرم شرعًا مشتهى طبعًا فأوجب الحد كالقبل‏.‏ وذهب الشافعي في قول له إلى أنه يقتل أخذًا بحديث الباب‏.‏

وفي الحديث دليل على أنها تقتل البهيمة والعلة في ذلك ما روى أبو داود والنسائي أنه قيل لابن عباس ما شأن البهيمة قال ما أراه قال ذلك إلا أنه يكره أن يؤكل لحمها وقد عمل بها ذلك العمل وقد تقدم أن العلة أن يقال هذه التي فعل بها كذا وكذا‏.‏

وقد ذهب إلى تحريم لحم البهيمة المفعول بها وإلى أنها تذبح علي عليه السلام والشافعي في قول له وذهبت القاسمية والشافعي في قول له وأبو حنيفة وأبو يوسف إلى أنه يكره أكلها تنزيهًا فقط قال في البحر‏:‏ إنها تذبح البهيمة ولو كانت غير مأكولة لئلا تأتي بولد مشوه كما روي أن راعيًا أتى بهيمة فأتت بولد مشوه انتهى‏.‏

وأما حديث أن النبي صلى اللّه عليه وآله وسلم نهى عن ذبح الحيوان إلا لأكله فهو عموم مخصص لحديث الباب‏.‏

 باب فيمن وطئ جارية امرأته

1 - عن النعمان بن بشير‏:‏ ‏(‏أنه رفع إليه رجل غشى جارية امرأته فقال لأقضين فيها بقضاء رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله وسلم إن كانت أحلتها لك جلدتك مائة وإن كانت لم تحلها لك رجمتك‏)‏‏.‏

رواه الخمسة‏.‏

وفي رواية عن النعمان عن النبي صلى اللّه عليه وآله وسلم ‏(‏أنه قال في الرجل يأتي جارية امرأته قال إن كانت أحلتها له جلدته مائة وإن لم تكن أحلتها له رجمته‏)‏‏.‏

رواه أبو داود والنسائي‏.‏

الحديث قال الترمذي في إسناده اضطراب سمعت محمدًا يعني البخاري يقول‏:‏ لم يسمع قتادة من حبيب بن سالم هذا الحديث إنما رواه عن خالد بن عرفطة وأبو بشر لم يسمع من حبيب بن سالم هذا الحديث أيضًا إنما رواه عن خالد بن عرفطة انتهى‏.‏ والذي في السنن أن أبا بشر رواه عن خالد عن عرفطة عن حبيب ولكن الترمذي رواه في سننه عن أبي بشر عن حبيب وخالد بن عرفطة قال أبو حاتم الرازي‏:‏ هو مجهول وقال الترمذي‏:‏ سألت محمد بن إسماعيل عنه فقال أنا أتقي هذا الحديث وقال النسائي‏:‏ أحاديث النعمان هذه مضطربة‏.‏ وقال الخطابي‏:‏ هذا الحديث غير متصل وليس العمل عليه انتهى‏.‏ وعرفطة بضم العين وسكون الراء المهملتين وضم الفاء وبعدها طاء مهملة مفتوحة وتاء تأنيث - وفي الباب - عن قبيصة بن حريث عن سلمة بن المحبق عند أبي داود والنسائي أن رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله وسلم قضى في رجل وقع على جارية امرأته إن كان استكرهها فهي حرة وعليه لسيدتها مثلها وإن كانت طاوعته فهي له وعليه لسيدتها مثلها‏.‏

قال النسائي‏:‏ لا تصح هذه الأحاديث وقال البيهقي‏:‏ قبيصة بن حريث غير معروف وروينا عن أبي داود أنه قال‏:‏ سمعت أحمد بن حنبل يقول رواه عن سلمة بن المحبق شيخ لا يعرف لا يحدث عنه غير الحسن يعني قبيصة بن حريث وقال البخاري في التاريخ‏:‏ قبيصة بن حريث سمع سلمة بن المحبق في حديثه نظر‏.‏

وقال ابن المنذر‏:‏ لا يثبت خبر سلمة بن المحبق وقال الخطابي‏:‏ هذا حديث منكر وقبيصة بن حريث غير معروف والحجة لا تقوم بمثله وكان الحسن لا يبالي أن يروي الحديث ممن سمع وقال بعضهم‏:‏ هذا كان قبل الحدود وقد روى أبو داود والنسائي وابن ماجه من طريق الحسن البصري عن سلمة بن المحبق نحو ذلك إلا أنه قال وإن كانت طاوعته فهي ومثلها من ماله لسيدتها‏.‏

وقد اختلف في هذا الحديث عن الحسن فقيل عنه عن قبيصة بن حريث عن سلمة بن المحبق وقيل عنه عن سلمة من غير ذكر قبيصة وقيل عن جون بن قتادة عن سلمة وجون بن قتادة قال الإمام أحمد لا يعرف والمحبق بضم الميم وفتح الحاء المهملة وبعدها باء موحدة مشددة مفتوحة ومن أهل اللغة من يكسرها‏.‏ والمحبق لقب واسمه صخر بن عبيد وسلمة ابنه له صحبة سكن البصرة كنيته أبو سنان كنى بابنه سنان وذكر أبو عبد اللّه ابن منده‏:‏ أن لابنه سنان صحبة أيضًا‏.‏ وجون بفتح الجيم وسكون الواو وبعدها نون وقد اختلف أهل العلم في الرجل يقع على جارية امرأته فقال الترمذي روي عن غير واحد من الصحابة منهم أمير المؤمنين علي وابن عمر أن عليه الرجم‏.‏

وقال ابن مسعود‏:‏ ليس عليه حد ولكن يعزر‏.‏ وذهب أحمد وإسحاق إلى ما رواه النعمان بن بشير انتهى‏.‏ وهذا هو الراجح لأن الحديث وإن كان فيه المقال المتقدم فأقل أحواله أن يكون شبهة يدرأ بها الحد‏.‏

قال في البحر‏:‏ مسألة ولو أباحت الزوجة للزوج وطء أمتها أو وطئ امرأة يستحق دمها حد‏.‏ وقال أبو حنيفة لا إذ هما شبهة قلنا لا نسلم انتهى‏.‏ وهذا منع مجرد فإن مثل حديث النعمان إذا لم يكن شبهة فما الذي يكون شبهة‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏وإن كانت لم تحلها لك رجمتك‏)‏ زاد أبو داود فوجدوه أحلتها له فجلده مائة‏.‏